"مركز الحوار العربي"

 يحتفل بالعيد الخمسين لثورة يوليو

 

احتفل مركز الحوار العربي في العاصمة الأميركية بالذكرى الخمسين لقيام ثورة 23 يوليو في مصر، وحضر الاحتفال عدد كبير من روّاد المركز من المثقفين العرب تقديراً من المصريين والعرب في منطقة واشنطن للثورة المصرية ولقائدها الراحل جمال عبد الناصر. ومن السلك الدبلوماسي العربي، حرص سفيرا السودان واليمن على الحضور للتأكيد على دور الثورة المصرية في تاريخ البلدين الشقيقين، وكان من اللافت للنظر حرص عددٍ من الشباب العربي والمصري على الحضور للتعرّف على جوانب تجربة الثورة المصرية بما لها من إيجابيات وما عليها من سلبيّات كتجربةٍ إنسانية تحتمل الخطأ والصواب.

 

وتحدّث في البداية مدير المركز الأستاذ صبحي غندور فقال: يجب التمييز داخل ما استقرّ في وعي الجماهير عن تجربة ثورة عبد الناصر بين مسألتين: فالجماهير العربية خارج مصر عرفت عبد الناصر كزعيم وقائد تحرر وطني وقومي، بينما شعب مصر عرفه أيضاً كحاكم وكرئيس لنظام جديد أطاح بالملكية فكانت له سلبياته وإيجابيته بالنسبة لعموم المصريين، ومع هذا التمييز دعا الأستاذ صبحي غندور إلى انتهاج أسلوب موضوعي في تقييم ثورة 23 يوليو 1952 في عيدها الخمسين بعيداً عن الوقوع في الحبّ الأعمى أو الحقد الأعمى.

 

* الدكتور رشدي سعيد

وكان المتحدّث الأول في الاحتفال، العالم الجيولوجي المصري الدكتور رشدي سعيد وهو عضو سابق في مجلس الأمّة المصري في عهد الرئيس عبد الناصر والذي قال في كلمته: لقد تعدّدت الرؤى والطرق التي أراد بها المشاركون في الثورة المصرية تحقيق أهدافها تبعاً لتوجهاتهم السياسية المختلفة والتي امتدّت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ولكن بعد عامين من الصراع استقرّ الحكم في عام 1954 في يد يسار الوسط بقيادة جمال عبد الناصر الزعيم التاريخي الذي قدّر له أن يلعب دوراً مهماً في حياة مصر والعالم العربي بل وعالم الجنوب كلّه. وكان الطريق الذي أخذته الثورة بقيادة عبد الناصر هو طريق الاستقلال والاعتماد على النفس والاستخدام الكفء لموارد البلاد وتنميتها لصالح قوى الشعب وجماهيره.

وأعرب الدكتور رشدي سعيد عن اعتقاده بأنّ نجاح الثورة في تأميم قناة السويس وطرد المستعمر ثمّ بناء السدّ العالي كان بمثابة الشرارة التي امتدّت إلى كلّ أرجاء عالم الجنوب الذي قام منتفضاً مطالباً بالاستقلال وبإنهاء النفوذ الأجنبي. كما أشاد بما حققته الثورة من إقامة قاعدة صناعية حديثة وتوسيع معاهد التعليم بكلّ درجاته وأدخلت العديد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والتي وفّرت قدراً أفضل من المساواة في المجتمع المصري .. بينما وقفت إسرائيل على بوابة مصر الشرقية ترى في قيادة ثورة مصر لحركة التطوّر العربي ومناصرتها للقضية الفلسطينية خطراً دفعها إلى العدوان الثلاثي في عام 1956 ثمّ إلى إلحاق هزيمة يونيو بمصر والعرب. ومع أنّ القيادة المصرية أعادت تنظيم البلاد وبناء القوات المسلحة المصرية ممّا أتاح لها نصر أكتوبر إلا أنّ الدكتور رشدي سعيد يرى أنّ الثورة في عقب حرب أكتوبر 1973 سلكت طريقاً آخر معاكساً للطريق الذي كانت تسير عليه أيام عبد الناصر، فسلكت سبيل المهادنة مع دول الغرب للاندماج في النظام العالمي والانصياع شبه الكامل لكلّ ما يطلبه منها ذلك النظام. وخلص الدكتور رشدي سعيد إلى القول بأنّ مصر كانت ضحية التوتر الدائم على حدودها الشرقية بسبب عدوانية إسرائيل التي كانت الأداة التي أجهزت على طريق الاستقلال، والوسيلة التي حالت دون تدفق الاستثمارات الأجنبية لإنعاش الاقتصاد المصري، وعامل الضغط المستمر للحيلولة دون بناء مجتمعٍ مستقر.

 

* السيدة ناهدة فضلي الدجاني

وتحوّل احتفال مركز الحوار بالثورة المصرية إلى مهرجانٍ عروبي امتزجت فيه ذكريات المصريين بآمال إخوانهم العرب من الشام إلى شمال أفريقيا .. ففي كلمتها أمام الحضور ركّزت الشاعرة والإعلامية الفلسطينية السيدة ناهدة فضلي الدجاني على الظاهرة الفريدة التي قدّمتها ثورة يوليو والتي تمثّلت فيما وصفته بمعجزة التلاحم بين الشعب والحكومة بسبب الشخصية الكاريزماتية لعبد الناصر الذي تملّك قلوب الشعب وكان الأخ والابن والزوج والحبيب والمخلّص من النفوذ الأجنبي والتبعية للخارج والمؤهّل لمحو الظلم وإرساء العدالة والمعروف بالصدق والأمانة والسعي من أجل أن يكون للأمّة العربية مكان رائد في العالم.

وعملاً بالموضوعية في تقييم التجربة الثورية ترى السيدة ناهدة فضلي الدجاني أنّ عبد الناصر كان ثورياً وصاحب فكر ومبادىء ولكنّه افتقد فنون الإدارة، فوقع في فخ صغار النفوس ومن يعرفون بمراكز القوى بينما كان الأعداء يدبرون له المكائد في الخارج وتجسّدت النتائج السلبية لهذه العوامل في هزيمة عام 1967. ولكنّها قالت إنّ التلاحم الذي خلقته الثورة جعل الشعب يرفض الهزيمة وما زال يقول لا لرغبات إسرائيل التوسّعية.

 

* الدكتور فوزي الأسمر

وعندما تحدّث الدكتور فوزي الأسمر الصحفي والمعلق السياسي الفلسطيني كشف النقاب عن جوانب لا يعرفها الكثيرون عن صدى ثورة 23 يوليو داخل إسرائيل حيث كان يعيش مع الفلسطينيين الذين بقوا بعد حرب 1948، فقال إنّ المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل كان يناضل من أجل هوّيته، وعندما قامت الثورة المصرية أصبح قائدها جمال عبد الناصر تجسيداً للوطنية العربية وتمكّن من تغيير النظرة الاستعلائية التي كان الإسرائيليون يتعاملون بها مع كل ما هو عربي. وقال الدكتور فوزي الأسمر إنّ الصحافة الإسرائيلية رأت في قائد الثورة المصرية الزعيم الذي يمكن من خلاله تحقيق السلام مع كلّ العرب، لأنّه يحظى بثقتهم من المحيط إلى الخليج، ولكن الحركة الصهيونية رأت فيه خطراً يجب القضاء عليه قبل أن يحول دون تنفيذ باقي الأحلام الصهيونية. وقال إنّ اهتمام عبد الناصر بمشروع الألف كتاب وتخصيصه لعيد العلم ولجوائز الدولة التقديرية كان موضوع حوار عميق في المجتمع الإسرائيلي لأنّهم يخافون من العقل المفكر أكثر من العسكر المدججين بالسلاح، وسرعان ما أصبحت حفلات الزواج للفلسطينيين داخل إسرائيل تشهد ظاهرة جديدة في الرقص على أنغام الأغاني الوطنية المصرية وكما وصف الشاعر الفلسطيني شكيب جيشان شوارع مدينة الناصرة عندما كان قائد الثورة المصرية يلقي أيّ خطاب تكون الشوارع خالية والآذان منصتة ولا تسمع في شوارع المدينة إلا صوت عبد الناصر يهزّ المشاعر الوطنية ويولد العزم والهمّة ويحشد طاقات الجماهير. وقال الدكتور فوزي الأسمر إنّ مجرّد الاحتفال بالثورة بعد خمسين عاماً يعني أنّها لا تزال تتفاعل في الوجدان العربي حتى يتمّ لها استكمال أهدافها الوطنية.

 

* الأستاذ محمد وهبي

وجاء دور الأستاذ محمد وهبي المستشار الإعلامي المصري السابق والكاتب والمحلل السياسي فقال إنّه ألف كتاباً باللغة الإنجليزية عن الثورة الاجتماعية في مصر نشر في عام 1966 ونشرت صحيفة الأهرام خبراً عن الكتاب وصورة له وهو يسلم نسخة منه إلى الرئيس عبد الناصر الذي سرعان ما أصبح رمزاً دولياً لحركة عدم الانحياز ومثالاً يحتذى لحركات التحرّر الوطني في العالم. وقال الأستاذ محمد وهبي إنّ الحكمة تقتضي ونحن نحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 أن نستعرض كل إيجابياتها بشرط ألا ننسى في ذات الوقت ما وقعت فيه من سلبيات حتى لا نكرسها أو نكررها .. وفي هذا السياق قال إنّ من سلبيات الثورة في عهد عبد الناصر سرية المعلومات، والانتكاسات التي تعرضت لها الحريات بعد عام 1958 علاوة على تكريس الجهل بتاريخ مصر قبل الثورة.

 

* تعليقات من: محمد حقي، د. محمد الفنيش، مظهر السمان ومنذر سليمان

وتوالت الكلمات في احتفال مركز الحوار بثورة يوليو، فقال الأستاذ محمد حقي الرئيس الأسبق لهيئة الاستعلامات والصحفي والمحلل السياسي إنّه لم يحدث لأي زعيم في العالم أن كتب عنه أكثر من ثلاثة آلاف مجلد إلا عبد الناصر الذي كان أول زعيم يرثيه بابا الفاتيكان كشخص فاضل ووفي، وطالب الأستاذ محمد حقي المؤرّخين المصريين والعرب بأن يبدأوا دراسات تاريخية موضوعية عن ثورة 23 يوليو بعيداً عن أساليب المدح والهجاء العربية، وقال إنّه شخصياً يعيب على عبد الناصر أنّه كان ليّناً للغاية في انتقاداته لمن حوله خاصّة للمشير عبد الحكيم عامر رغم تقصيره الفادح في الإعداد لحرب 1967.

 

أمّا الدكتور محمد فنيش المدير التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي وهو من ليبيا فأشاد في كلمته بتركيز الرئيس عبد الناصر على أن تكون للثورة المصرية دوائرها الثلاث العربية والإسلامية والأفريقية والتي سرعان ما امتدّت لتصبح حركة للشعوب الآسيوية الأفريقية . وقال الدكتور فنيش إنّه مع التسليم بأخطاء الثورة وعلى رأسها هزيمة 67 فيجب دراسة وتقويم كل ما أعقب وفاة قائدها وما الذي أعاقها عن استكمال تحقيق أهدافها.

 

أمّا الأستاذ مظهر السمان نائب رئيس غرفة التجارة العربية الأمريكية وهو من سوريا فقد أوضح إنّه من الإنصاف القول بأنّ السد العالي كان من أهم إنجازات الثورة وكذلك تمكّنها من تحقيق معدلات للنمو الاقتصادي في مصر بنسب تراوحت بين 6و7% فيما بين أواخر الخمسينات وأواخر الستينات بينما تراجعت معدلات التنمية بعد ذلك.

 

كما شارك في التعليقات المحلل الاستراتيجي اللبناني الأستاذ منذر سليمان الذي أعرب عن اعتقاده بأنّ عبد الناصر لم تتوافر لديه الخبرة السياسية الواضحة التي تؤهله للتحول بالانقلاب العسكري إلى ثورة. ولكن الشعب ساندها لأنها أدخلت مصر والعالم العربي في مشروع نهضة وتحرّر حقيقي. وقال إنّ قائد الثورة المصرية أصبح شخصية فريدة جعلت مصر قلباً للعالم العربي وأسّست لها دوراً معاصراً يستمدّ جذوره من التاريخ ويحتّم أن يكون لها دور القيادة للعالم العربي وإلا فلن تقوم له قائمة.

 

* خلاصات عن تجربة ثورة عبد الناصر      

 وكان مدير "مركز الحوار العربي" الأستاذ صبحي غندور قد عرض جملة من الخلاصات عن تجربة ثورة عبد الناصر، جاء فيها:

1: النظر إلى حقبة عبد الناصر في إطار الأوضاع التي كانت سائدة مصرياً وعربياً ودولياً وفي إطار الظروف الدولية التي كانت سائدة (الحرب الباردة وصراع المعسكريْن)، وفي إطار طبيعة النظام السياسي الذي قام على جبهة ضباط وليس على تنظيم سياسي موحّد الانتماء والفكر والأهداف، علماً أن معظم "الضباط الأحرار" كان في مطلع الثلاثينات من العمر. فناصر قاد الثورة وله من العمر 34 سنة، وواجه أزمة السويس والعدوان الثلاثي وهو في عمر ال38 سنة، وكان رئيساً لمصر وسورية معاً وزعيماً عربياً ودولياً وهو في عمر الأربعين.

2: مقارنة الحقبة الناصرية (18 عاماً) مع ما تلاها في مصر وفي أكثر من بلد عربي.. أي مقارنة فترة عبد الناصر مع حكم أكثر من زعيم عربي في المدة الزمنية نفسها.

3: تقييم وتقويم الأهداف التي عمل من أجلها جمال عبد الناصر (مصرياً وعربياً ودولياً) وهل هي صالحة الآن وللمستقبل، مع المراجعة طبعاً في الأساليب والوسائل التي اعتمدت في حقبة زمنية مختلفة وفي ظروفٍ دولية لم تعد قائمة الآن.

4: النظرة إلى جمال عبد الناصر كقائد تحرّرٍ قومي عربي جسّد في في حقبة زمنية محدّدة مجموعة أهداف مشتركة بين العرب، حقّق بعضها وما زال الكثير منها لم يتحقّق بعد.

5: النظرة إلى الحقبة الناصرية كتجربة عربية مميزة في القرن العشرين جمعت بين أهداف ووسائل حيث التمييز ضروري في مجال التقييم والتقويم بين: - ضرورة عدم التراجع عن الأهداف، وضرورة المراجعة في الأساليب ونقدها وتقويمها.

6: التعامل مع حقبة عبد الناصر حيث انتهت هي في مرحلة نضوج الثورة والدولة والشخص والفكرة (حقبة ما بعد 67)، وليس الحكم عليها عبر إختيار عشوائي من مراحل نمو وتطور التجربة.

***

 

 

==========================================================

تتأكد أهمية تجربة "مركز الحوار العربي" وفوائدها العديدة من خلال تشجيع أسلوب الحوار بين العرب من جهة وبين العرب والمجتمع الأميركي من جهة أخرى، وذلك عبر أنشطة (باللغتين العربية والإنكليزية)  تشمل مطبوعات دورية وموقع هام على الإنترنت، إضافة إلى ندوات أسبوعية بلغ عددها  460 ندوة حتى نهاية العام 2001، شملت ميادين الفكر والثقافة والسياسة والعلاقات العربية الأميركية.

 

لمزيد من المعلومات عن "مركز الحوار العربي" في واشنطن:

http://www.alhewar.com

 

AL-HEWAR CENTER

 

Mailing Address: P.O. Box 2104, Vienna, Virginia 22180 - U.S.A.

Telephone:  (703) 281-6277  Fax1: (703) 437-6419 Fax2: (775) 854-9846  

E-mail: alhewar@alhewar.com